للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما هو أولى من جزاء السيئة بسيئة مثلها، وهو العفو عن المسيء، وذلك بعد القدرة عليه، ووقوعه ليد من بغى عليه.. فإن العفو مع القدرة- كما قلنا- هو عقوبة للمعتدى، ووقعها على النفوس الحية أقسى وأمر من كل عقوبة..

وفى قوله تعالى: «وَأَصْلَحَ» - إشارة إلى أن لمن أراد أن يأخذ بالعفو أن يسلك الطريق الذي يراه فى هذا المقام، فله أن يعفو عفوا عامّا، وأن يعفو عن بعض، ويأخذ ببعض، حسب ما يرى من المعفوّ عنه، ومن الظروف والأحوال المحيطة به..

وفى قوله تعالى: «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» - إشارة إلى المنتصر بعد ظلمه، ألا يتجاوز حدود الأخذ بحقه ممن ظلمه، وإلا كان ظالما، وانتقل بذلك من مبغىّ عليه إلى باغ، ومن مظلوم إلى ظالم، وقد كان الله سبحانه نصيرا له، فأصبح مخذولا من الله، مذموما: «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» .

قوله تعالى:

«وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» .

هو عرض شارح لقوله تعالى: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» .. وهو تحريك أيضا لمشاعر الثورة على البغي، ودفع لما يجد أهل السلامة والصلاح فى صدورهم من حرج فى أن ينالوا أحدا بسوء، حتى ولو كان مسيئا.. وهذا خروج على سنن العدل، ومجافاة لطبيعة الحياة، وإطلاق لأيدى السفهاء أن يعيثوا فى الأرض فسادا، وأن يبتلى بهم الأنقياء والأبرار ابتلاء عظيما.. ولهذا جاء الإسلام يقرر هذه الحقيقة، ويعطى أهله حق الدفاع عن أنفسهم، بلا بغى أو عدوان،

<<  <  ج: ص:  >  >>