فى كرب وبلاء، يتنادون بالويل والثبور، وينظر بعضهم إلى بعض فى يأس قاتل، متسائلين:«هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ» ؟ أي هل هناك من سبيل إلى الخروج مما نحن فيه، والعودة إلى الحياة الدنيا، لنصلح ما أفسدنا، ونعمل صالحا غير الذي كنا نعمل؟ وهيهات هيهات!! قوله تعالى:
«وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ» أي وفى هذا الموقف- موقف الحساب والجزاء- يرى الرائي، الظالمين وهم يعرضون على النار، ويقفون بين يديها- يراهم خاشعين فى مهانة وذلة وضراعة.. «يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» أي لا يستطيعون أن يفتحوا أبصارهم على هذا الهول الذي يغفر لهم فاه، بل إن أبصارهم ليصعقها هذا الهول، فترتدّ عنه، ويدعوها الخوف منه، ومحاذرة الوقوع ليده، أن تنظر لترى أين موقعها منه، فلا تكاد تلمحه حتى ترتد عنه.. وهكذا تظل أبصارهم مشدودة إلى هذا الهول، تتحسسه، فى مخالسة، كما يتحسس الأعمى حية التفت بعنقه.!
قوله تعالى:«وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ.. أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ» أي أن المؤمنين حين يرون هذا الموقف الذي يكون عليه الظالمون يوم القيامة.. ينظرون إلى أنفسهم، فيحمدون الله أن عافاهم من هذا البلاء، ويقولون فيما يقولون:«إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» أي أنه ليس خسرانا هذا الخسران الذي يفوت الإنسان من حظوظ الحياة الدنيا، فى نفسه، وأهله، وماله.. وإنما الخسران حقّا هو هذا الخسران الذي يلقاه الظالمون