إليهم، راغب فى الاتصال بهم، والحياة معهم، وأنه لا يتحول عنهم إلا مكرها..
وهذا يعنى أن هذه النعمة لا تتحول أبدا عن الأمة العربية لأن القرآن لا يضرب أبدا، لمقامه العظيم عند الله، ولأنه صفة من صفاته جل وعلا، وأنه إذا كان هؤلاء المشركون قد استقبلوا القرآن الكريم هذا الاستقبال العدائى، فإنه سيجد منهم آخر الأمر، الأمة التي تحتفى به أعظم احتفاء، وتنزله من نفسها أكرم منزل..
وهذا هو بعض السر فى التعبير بضرب الذكر عنهم صفحا، أي جانبا.. بمعنى أنه لا ينصرف عنهم انصرافا كاملا، بل ينصرف عنهم بجانب منه، أشبه بالمغاضب، الذي يريد العتبى ممن أغضبه، وينتظر مصالحته..! وقد صالح العرب القرآن، وأعتبوه، وأدّبوا المتطاولين عليه، وقتلوا من أجل ذلك أبناءهم، وآباءهم، وإخوانهم، وباعوا أنفسهم بيع السماح لله، فى سبيل نصرة دين الله الذي جاء به..
وفى الاستفهام بقوله تعالى:«أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً» إنذار وتنبيه، يشعر بالحرص على هداية هؤلاء المشركين، مع أنّ إسرافهم فى الضلال والعناد، كان يقضى بأن يصرف القرآن عنهم، من غير إنذار، أو إعذار! قوله تعالى:
«وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» هو عزاء للنبى- صلوات الله وسلامه عليه- وتسلية له مما يلقى من تأتى قومه عليه، وسخريتهم منه، واستهزائهم به.. فهو- صلوات الله وسلامه عليه- ليس بدعا من الرسل فى هذا الذي يناله من قومه من أذى.. فهذا شأن أنبياء الله ورسله جميعا مع أقوامهم:«وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» .
«وَكَمْ» هنا خبرية، يراد بها التكثير.. أي ما أكثر ما أرسلنا من نبى فى الأولين، أي السابقين.. فكانت حالهم أنهم لا يلقون النبي المرسل إليهم إلا بالاستهزاء، والتحدّى، والأذى..