وهناك مطاعم حرّمها الإسلام لا لذاتها، ولكن لما أحاط بها من جوّ كريه، يفسدها، ويفسد طعمها على آكليها، كتلك التي تذبح قربانا للأوثان، ومثلها جميع مطاعم الوثنيين.. حيث تفوح منها ريح الشرك بالله، والكفر به.. فهى والحال كذلك طعام ملوّث بالشرك بالله، فمن طعمها طعم الشرك معها.
وكالخمر التي حرمتها الشريعة الإسلامية، إنها شراب مشوب بداء يغتال العقل، وتذهب به حميّا خمارها وسكرها.. وعندئذ ينزل الإنسان عن إنسانيته التي يحرص الإسلام على أن يستبقيها فى كيان المخلوق الذي كرمه الله.. ومن أجل هذا كان تحريمها..
فهذه المحرمات من المطعومات والمشروبات، هى حماية للإنسان من أن ينزل عن إنسانيته، واستعلاء به، واستكمال للكمال المنشود له.
وكما يكون تحريم بعض الأطعمة والأشربة لطفا من ألطاف الله بالإنسان، والاستعلاء به على الخبائث- يكون التحريم فى حال أخرى، ضربا من الهوان والإذلال للإنسان، وابتلاء وإعناتا له، حين يدفع عن الطيب، ويذاد عن الشهىّ، نكالا له بما كسب من ظلم، وما جنى من بغى.. فكان هذا العقاب له، من واردات الظلم والبغي، وإن لم يكن ظلما ولا بغيا، ولكن هكذا يجزى الظالمون البغاة.. «ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ»(١٤٦: الأنعام) فقد كانت المطاعم كلّها حلّا لبنى إسرائيل، لم يحرّم عليهم شىء منها إلا ما تعافه النفس، وتزهد فيه.. ومع هذا فإنه كان إذا ورد واردهم على الميتة أو الدم أو لحم الخنزير، أو الخمر، فإنه لا إثم عليه فيه، حيث لم يكن هناك حدّ شرعىّ، يفرق بين طعام وطعام.