التفسير: دعا الله النّاس إلى أن يحجّوا إلى بيته، ولكن الذين كفروا بالله محجوزون بكفرهم عن إجابة هذا النداء.. فالله غنىّ عن العالمين! وأهل الكتاب- وخاصة اليهود- من الذين كفروا بآيات الله، فلم يدخلوا فى هذه الدعوة، ولم يستجيبوا لها، وقد أمر الله النبىّ الكريم أن يلقاهم بهذا السؤال الذي ينكر عليهم هذا الموقف الذي وقفوه من الدعوة الإسلامية وآياتها البينات، خاصة وأنهم أهل الكتاب، تلتقى دعوته مع دعوة الإسلام، لو أنهم آمنوا بما فى كتابهم، ولم يحرّفوا الكلم عن مواضعه..
وفى قوله تعالى:«وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ» تهديد لهم، ووعيد بسوء المصير، جزاء أعمالهم المنكرة، وكفرهم العنادىّ.. وذلك كلّه واقع فى علم الله، الذي لا تخفى عليه خافية..
ولو وقف أهل الكتاب بكفرهم عند حدّ، وقصّروا هذا الكفر على ذات أنفسهم، لكانت مصيبتهم مصيبة، ولكنهم تجاوزوا هذا الموقف القاتل، إلى إضلال غيرهم، وإلى التشويش على المؤمنين، وإفساد دينهم عليهم، إذ يصدّون المؤمنين عن سبيل الله، بما يلقون إليهم من أباطيل، وما يسوقون إليهم من فتن.. إنهم لا يريدون لأحد أن يستقيم على سبيل الله، لأنهم يعلمون أنهم على طريق الضلال، وأنهم هالكون، وإنه لعزيز عليهم أن يسلم الناس.. وإذن فليضلّ الناس كما ضلوا، وليهلك الناس كما هلكوا.. وذلك شأن المفسدين، إخوان الشياطين، يغوون الناس، ويزينون لهم سبل الفساد، ليكون معهم من يصاب بما أصيبوا به، وفى ذلك عزاء لهم، وإنه لبلاء إلى بلاء! .. وفى هذا يقول الله تعالى:«وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ»(٦٩: آل عمران)