للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحفظه، وألّا يضيّع إنسانيته بالقهر والبغي، فيتحول فى يده إلى إنسان قد فقد وجوده.. إنسان قد مسخت إنسانيته فاستخذى وذلّ.. وهذا هو الضياع، الذي هو الموت بالحياة! وفى وصف موسى بالأمانة فى قوله تعالى: «إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ» - إشارة أخرى إلى أنه سيحفظ أمانة الله فى عباده، إذا صاروا إلى يده، وألا يضيّعهم كما ضيعهم فرعون، بل إنه سيصلح ما أفسد فرعون منهم، ويطبّ لما رماهم به من داء اغتال كل معانى الإنسانية فيهم..

قوله تعالى:

«وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ» هو من مضامين هذه الرسالة، ومن مقول القول الذي واجه به موسى القوم.. وهو أنه قد جاءهم بسلطان مبين، أي سلطان ظاهر، يعلو كل سلطان..

ومن كان هذا شأنه فلا يصحّ أن يلقاه القوم متعالين.. فإنه- وهو أعلى منهم سلطانا وأقوى قوّة- قد جاءهم طالبا راجيا، ولم يأتهم آمرا مستعليا..

وفى التعبير عن السلطان الذي يلقى به القوم- فى التعبير عن هذا بفعل المستقبل «آتِيكُمْ» - إشارة إلى أن هذا السلطان الذي معه لم يره القوم بعد، وأنهم إذا شاءوا أن يروه أراهم إياه..

وفى هذا يقول الله تعالى، فيما كان بين فرعون وموسى: «قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ؟ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ! فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ» (٣٠- ٣٣: الشعراء) فالسلطان المبين الذي جاء به موسى، هو عصاه، ويده، ولم يكن فرعون

<<  <  ج: ص:  >  >>