وكثرت نعمه فيهم.. وإنه على قدر الإحسان يكون الحساب.. وقد خرج بنو إسرائيل من هذا الامتحان بأخسر صفقة، إذ كشف ذلك منهم عن نفوس خبيثة، وقلوب مريضة، وطبائع شرسة- فكان أن أخذهم الله بالبأساء والضراء، وأنزل بهم الضربات القاصمة، فكانوا عبرة وعظة لمن يكفر بنعم الله، ويستنبت من إحسانه وفضله أنيابا ومخاب ينهش بها عباد الله..
فلقد لعنهم الله وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.. وفى هذا يقول الله تعالى:«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ»(١٣: المائدة) ..
وفى قوله تعالى «عَلى عِلْمٍ» إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى، إنما كان اختياره لبنى إسرائيل، واختصاصهم بكثرة الأنبياء الذين أرسلوا فيهم، والآيات التي جاءوهم بها، وتظاهر النعم عليهم- إنما كان ذلك على علم منه سبحانه وتعالى بما سيكون من هؤلاء المناكيد، من كفر بهذه الآيات، وتكذيب لرسل الله، وإعنات لهم، كما يقول سبحانه وتعالى فيهم:«أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ»(٨٧: البقرة) ..