فإذا جاء تفصيل هذا الإجمال، ووقع تأويله، وسيق الناس إلى الحساب والجزاء قدّم أولئك الكافرون، ليقفوا موقف المذنبين للمحاكمة، ولم يمهلوا، وذلك إشعار لفظاعة جرمهم، وشناعة ذنبهم، الذي يقتضى تعجيل الجزاء السيّء الذي ينتظرهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»(٨٧، ٨٨: آل عمران) .
وفى التعجيل بعرض هؤلاء الكافرين من أهل الكتاب ما يدخل الطمأنينة على المؤمنين، الذين ينتظرون دورهم فى ساحة الحكم.. فهذا الحكم الذي يقضى به على هؤلاء الكافرين فيه براءة ضمنية لغيرهم من المؤمنين، ولكنها براءة مشوبة بالخوف، محفوفة بالخشية.. فإذا جاء بعدها هذا الرضوان الذي يفتح لهم أبواب الجنات، وما يلقون فيها من نعيم- زادهم ذلك نعيما إلى نعيم، ورضوانا إلى رضوان..
وانظر كيف كانت مساءلة الكافرين، وكيف كان خزيهم وعيّهم عن ردّ الجواب «أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟» .. ثم انظر كيف كان الجواب على هذا السؤال:«فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» وفى قوله تعالى: «أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» إشارة إلى أن هؤلاء الكافرين هم أهل الكتاب الذين تحولوا من الإيمان إلى الكفر، وهم الذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى فى قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ»(٩١: آل عمران)