وخاصة اليهود- قد صعقوا لهذه الآية، ودارت رءوسهم بها، وزلزلت أقدامهم منها، وأيقنوا أنهم لن يلحقوا بالمسلمين، ولن يقوموا لهم أبد الدهر! وفى قوله تعالى:«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» وفى التعبير بلفظ الماضي «كنتم» ما يشير إلى أن هذا الحكم الذي حكم به الله على هذه الأمة، بأنها خير أمة أخرجت للناس- ليس محدودا بزمن من أزمانها، ولا مخصوصا بحال من أحوالها.. وإنما هو حكم عام مطلق، يشمل الأمة الإسلامية كلها، فى كل أزمانها، وفى جميع أحوالها، من عهد النبوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. إنه حكم للأمة الإسلامية فى ماضيها وحاضرها، ومستقبلها. وإن تلقته فى أول وجودها، وفى ساعة مولدها.. «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ! هذا هو حكم الله فيما أحاط به علمه، وفيما قدّره لكل أمة من أجل، ومن رزق!.
وفى قوله تعالى:«أُخْرِجَتْ» تنويه آخر بشأن هذه الأمة، وأنها هى المولود الكامل، الذي تمخضت عنه الإنسانية كلها.. ولن تلد مثله أبد الدهر!.
وفى قوله سبحانه:«أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» تنويه ثالث بتلك الأمة، فإنها لم تخرج من الناس، ولكنها «أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» وكأنها بهذا من معدن غير معدن الناس، ومن عالم غير عالم الناس، جاءتهم هكذا من عالم الغيب، وأخرجت لهم من حيث لا يتوقعون.. من صحراء مجدبة قفر، ومن مجتمع أمّى غارق فى الجهالة!، فقادت ركب الإنسانية، وحررتها من قيود العبودية والظلم.
هذا هو مكاننا- أمة الإسلام- الذي ندبنا الله له، وأحلّنا فيه، وأقامنا عليه..
وإنه لن يزحزحنا عن هذا المقام زمان، ولن يحتله مكاننا أحد..