كما يقول سبحانه: «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧: الطارق) ..
وقد كان الرسل فى هذا فريقين، فريقا استعجل العذاب لقومه، بعد أن بلغهم رسالة ربه، كما يقول الله سبحانه على لسان نوح:«وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً»(٢٦: نوح) .. وكما فعل يونس، حين زايل موقفه من قومه قبل أن يؤمنوا بالله، وتركهم لمصيرهم، الذي يصير إليه الضالون المكذبون.. وفريقا صبر وانتظر، حتى جاء أمر الله فى قومه، كما فعل إبراهيم، وموسى، وعيسى، فلم يدع أحد منهم ربّه بأن يهلكهم، على كثرة ما ساقت إليهم أقوامهم من ألوان العنت والأذى..
أما النبي صلوات الله وسلامه عليه، فإنه قد جاوز هذه الغاية إلى غاية أخرى، فكان لسانه دائما داعيا إلى الله بهداية قومه، والصفح عنهم.. حتى فى أشد أحوالهم إعناتا وأذى له.. كما كان ذلك فى موقفه- صلوات الله وسلامه عليه- يوم أحد، وقد شجه المشركون، وأسالوا دمه، وكسروا رباعيته، فما زاد أن وجّه وجهه إلى السماء، وبسط يديه إلى ربه قائلا:«اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون» .
وثانيا: أن فى قوله تعالى: «وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» - إشارة صريحة إلى إلى أن الصبر المطلوب هنا، هو صبر الإمهال والانتظار، لا صبر الاحتمال والمعاناة، - كما أشرنا إلى إلى ذلك من قبل- وهذا يعنى أن الأمر بالصبر الموجه إلى النبي من ربه سبحانه وتعالى، إنما يراد به تهديد المشركين بالعذاب الذي ينتظرهم، والذي يطلب إلى النبي ألا يستدعيه لهم، ولا يستعجل وقوعه بهم، فهم سائرون إليه، وسيلقونه عما قريب.. إنها ساعة من نهار، ثم يلقاهم العذاب الذي يستعجلونه..
وعلى هذا، فإن الصبر المطلوب من النبىّ، منظور فيه إلى قومه، وإلى أنهم لن يعذّبوا فى الدنيا، وإنما سيؤجل عذابهم إلى الآخرة، كما فعل بأقوام أولى العزم من الرسل..