بل إنهم الشاهد المبين عنها وعن أفعالها وآثارها.. إنهم حطب جهنم..
فهم إذن هذا اللهب المتسعّر منها، وأنه لولا هذا الخطب لما كانت هذه النار.. وهل نار بغير وقود؟
فإذا نظرنا إلى الصورتين: صورة النعيم، والصورة المقابلة لها على نحو نظرتنا هذه، وجدنا الجنة وأهلها، والنار وأصحابها، ورأينا التقابل كاملا بين الصورتين، وذلك بما يجريه العقل من عمليات منطقية، تقيم المتقابلين على ما يقضى به التطابق بينهما..
فإذا كانت هنا جنة، فليكن هناك نار..
وإذا كان فى النار أهلها وما يكابدون من عذابها، فليكن فى الجنة أهلها وما ينعمون به من خيراتها..
وهكذا تتبادل الصورتان، فتأخذ كل منهما من الأخرى عكس ما تعطى..
من الصفات أو الذوات..
قوله تعالى:«فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى» هو من صفات هذه الجنة، وما فيها من ألوان النعيم.
فإذا كان فى جنات الدنيا، جداول تجرى، أو أنهار تتدفق.. فالجنة التي أعدت للمتقين فيها أنواع شتّى من الأنهار لم تعرفها الجنّات فى الدنيا..
ففى الجنة التي وعد المتقون:«أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ» ، أي غير متغير الريح أو الطعم، فهو ماء جار، صاف، طهور.. عذب فرات..
وفى هذه الجنة «أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» أي لبن كأنما حلب لساعته، لم يمر به زمن ينقل فيه اللبن من حال إلى حال، أو أحوال، أخرى..