ولم يشأه، بل كان مما قضت به حكمته أن يجعل إلى الناس أنفسهم مشيئة عاملة، وإرادة نافذة، وأن يكون لهم بتلك الإرادة، وهذه المشيئة رسالة يؤدونها فى هذه الحياة، وهى إصلاح الفاسد، وإقامة المعوج، ولا يكون ذلك إلا إذا كان فى الناس الفاسدون، والمعوجون.. وهنا يكون الابتلاء والامتحان، وحين يتصادم المصلحون والمفسدون، ويتلاقى المستقيمون والمعوجّون..
فقوله تعالى:«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» - هو خبر مؤكد من الله سبحانه وتعالى إلى المؤمنين بأنهم لم يتركوا هكذا، يتحلون بحلية الإيمان، وينزلون منازل المؤمنين دون أن يوضعوا موضع الامتحان والابتلاء.. فهذا الامتحان هو الذي يكشف عن حقيقة الإيمان فى قلوب المؤمنين، وهل هو إيمان صادق، انشرح به الصدر، واطمأن به القلب، أم هو مجرد صورة من الشارات والمراسم..؟
حتى غاية لهذا الامتحان أو الابتلاء.. بمعنى أنكم أيها المؤمنون واقعون- لا محالة- فى مواقع ابتلاء، وأنكم لن تتركوا حتى تدخلوا فى هذا الابتلاء، وتتجرعوا كؤوسه المرّة، فإن صمدتم فى هذا الابتلاء، وصبرتم على ما تلقون من بأساء وضراء، فقد أثبتم أنكم مؤمنون.. وهذا حسبكم من إيمانكم.
وقدم الجهاد على الصبر، لأنه أعم منه.. فقد يكون فى المجاهدين من لا صبر له على الجهاد، فلا يثبت للأعداء إذا رأى الخطر محدقا به، ولا يقدم على القتال والهجوم إذا رأى الموت دانيا منه.. إنه مجاهد فى حواشى المجاهدين،