ثانيا: كثرة كثيرة من النصارى يتجه إليهم هذا الحكم.. وقلة قليلة جدا من اليهود يدخلون فى هذا الحكم أيضا.. كما يعلم ذلك من حال الفريقين الذي كشفه القرآن فى الموقف الذي أشارت إليه الآيات التي ذكرناها من سورة المائدة.
ثالثا: من صدق القرآن، ودقة أحكامه، أنه لم يجعل الحكم مطلقا فى النصارى، ولم يخرج منه اليهود جميعا بلا استثناء.. إذ لا تخلو فرقة من الفرقتين من أخيار وأشرار، وإن غلب الأخيار فى النصارى، وغلب الأشرار فى اليهود.. بمعنى أنه ليس كل النصارى على إطلاقهم يقفون من الإسلام هذا الموقف المترفّق المسالم، وليس كل اليهود- بلا استثناء فرد أو عدة أفراد- يكيدون للإسلام هذا الكيد، ويمكرون به هذا المكر الذي يعيش فيه اليهود مع الدعوة الإسلامية.
وفى قوله تعالى:«وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» وصف كاشف للنصارى، إذ كان دينهم يدعوهم إلى التبشير به وإذاعته فى الناس، وليس كذلك اليهود، وما يفهمون من دينهم- كما أشرنا إلى ذلك فى أكثر من موضع.
وقوله تعالى:«وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ» تتمّة لهذا الحكم الذي حكم به الله لهم، وهو أنهم إذ عدّوا فى المؤمنين بالله فإن كل عمل خير يعملونه يتقبله الله، ويجزيهم عليه، وليس كذلك أعمال المشركين.. إن الشرك أحبطها، وحرم أهلها ثمرة قبولها عند الله.. «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(٢٧: المائدة) وملاك التقوى، الإيمان بالله وباليوم الآخر.