هو بيان لما لهذا الأدب الذي يأخذ به المسلمون أنفسهم بين يدى رسول الله، من ثواب عظيم، وأجر كبير عند الله..
وقوله تعالى:«يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» أي يخفضونها حياء وإجلالا.. وفى التعبير عن خفض الصوت بالغض الذي هو من شأن النظر، إذ يقال غضّ فلان بصره ولا يقال غض صوته- فى هذا التعبير إعجاز من إعجاز النظم القرآنى، الذي تحمله كلمات الله متحدية الجنّ والإنس جميعا..
ذلك أن خفض الصوت إنما يكون عن مشاعر الحياء، التي من شأنها أن تنكسر معها حدة البصر، فلا يستطيع المرء أن يملأ عينيه ممن يهابه، ويجلّه، ويوقره.. فهو إذا نظر غضّ بصره، وإن هذا الغض من البصر يستولى على مخارج الصوت أيضا، فيحبس الصوت عن أن ينطلق إلى غاياته، بل يكسر حدته، كما كسرّ حدة النظر..
ففى قوله تعالى:«يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» إشارة ضمنية إلى غض البصر حياء، وأن سلطان الحياء هو المتحكم فى هذا المقام. وهكذا يتسلط الغضّ على الأبصار، والأفواه جميعا.
وقوله تعالى:«أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» إشارة إلى أن قلوب هؤلاء المؤمنين الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله قد أعدها الله سبحانه وتعالى وأرادها لتكون مستقرا ومستودعا للتقوى، وهذا هو السر فى تعدية الفعل «امتحن» باللام، فى قوله تعالى «لِلتَّقْوى» مع أن الأصل فى فعل الامتحان أن يتعدى بالباء، فيقال:«امتحنه بكذا، لا لكذا» .