التي عرضها القرآن الكريم فى قوله تعالى:«إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا» - فقد كان من داعية هذا الانقسام بين الجماعات الإنسانية، وانحياز كل جماعة منها إلى موطن خاص بها، ولسان تتخاطب به، ودين تدين به، وحياة اجتماعية وسياسية تعيش فيها- كان من داعية هذا أن تمايزت الجماعات، وتفاوتت حظوظها فى الحياة. وكان من هذا تعالى بعض الشعوب على بعض، وتفاخرها بما جمعت بين يديها من أسباب القوة والسلطان- ولقد جاء قوله تعالى:«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» ليصحح هذه المفاهيم الخاطئة، التي دخلت على الناس من مظاهر التفاوت المادي والعقلي بين جماعاتهم، وليقيم المفهوم الصحيح الذي هو ميزان التفاضل بين الناس، إن كان ثمّة تفاضل، وهو التقوى، فمن كان لله أتقى، كان عند الله- وينبغى أن يكون كذلك عند الناس- أفضل وأكرم، ففى مجال التقوى ينبغى أن يتنافس المنافسون، وعلى ميزان التقوى يجب أن تقوم منازلهم، وتتحدد مراتبهم..
وقوله تعالى:«إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» - إشارة إلى أن التقوى- ومحلها القلوب- أمر قد يخفى على الناس، فلا يعرفون من التقىّ، ولا مقداره من التقوى.. وإذ كان ذلك شأن الناس، فإن الله سبحانه وتعالى:«عَلِيمٌ خَبِيرٌ» يعلم ما تخفى الضمائر، وما تسرّ الصدور.. وفى هذا إشارة أيضا إلى أن السخرية بالناس ولمزهم وعيبهم، وسوء الظن بهم- قد يكون عن تقدير خاطئ وحساب مغلوط، قائم على حكم الظاهر، على حين تكون القلوب عامرة بالتقوى، مزهرة بالخير.. ولو اطلع هؤلاء اللامزون المتنابزون بالألقاب، على قلوب الناس، لتغيّر رأيهم فيهم.. وإذن فيجب ألا يأخذ الناس بحكم الظاهر، وألا يحكموا على الإنسان من ظاهره وحسب.. وهذا ما يشير إليه