أي فقرّبه إليهم، فلم يمدّوا أيديهم إليه، ولم يقبلوا على الأكل منه، كما هو شأن الضيف حين يقدّم إليه.. الطعام فلما رأى ذلك منهم نكرهم، وأوجس منهم خيفة، وقال:«أَلا تَأْكُلُونَ؟» ..
قوله تعالى:
«فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» ..
وهنا كلام محذوف أيضا.. «قال ألا تأكلون» .. فلم يأكلوا، ولم يستجيبوا لهذه الدعوة المجددة إليهم «فأوجس منهم خيفة» أي فازداد إحساسه بالخوف منهم، وقوى عنده الشعور الذي وقع فى نفسه من أول دخولهم عليه، ولقائهم له..
«قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم» - أي أنهم حين رأوا ما انطبع على وجه إبراهيم من أمارات التوجس والخوف، سكنوا من روعه، وقالوا له: لا تخف، ثم ألقوا إليه بهذه البشرى المسعدة، وهى أن يولد له الولد الذي كان ينتظره منذ شبابه الأول، وها هو ذا وقد بلغ من الكبر عتيّا، وأخلى يديه من هذا الأمل الذي كان يراوده، وخاصة أن امرأته كانت عقيما، ثم اجتمع مع هذا العقم تجاوزها العمر الذي تلد فيه النساء- ها هو ذا يتلقّى هذه البشرى المسعدة.
والغلام الذي بشر به هو إسحق، من زوجه سارة.. «والعليم» ، مبالغة من العلم، والعلم كان صفة بارزة من صفات إسحق، كما كان الحلم الصفة البارزة فى إسماعيل، كما يقول سبحانه:«فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ»(١٠١: الصافات) .