ومع ما يبدو من بعد المفارقة فى الظاهر بين أخذ قوم نوح، وبين بناء السماء- فإن هذه المفارقة تبدو موافقة، إذا نظرنا إلى قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيومته جلّ شأنه، على كل شىء.. فهو سبحانه، يحيى ويميت، ويغنى، ويقنى، ويرفع ويضع، وهو سبحانه الذي أخذ الظالمين بالهلاك، وهو جلّ شأنه الذي أقام السماء بقدرته..
وفى قوله تعالى:«وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» - إشارة إلى امتداد السماء واتساعها، كما يبدو ذلك لأى ناظر ينظر إليها، حيث لا يبلغ الإنسان لها حدّا، فحيث كان من عالم الأرض، فإن السماء تظلّه على امتداد الآفاق، حوله..
فإذا نظر بعين العلم، أراه العلم أن هذا الوجود فى نماء مستمرّ، وأنه أشبه بالكائن الحىّ فى دور نموّه واكتماله.. وفى حين أن الكائن الحىّ يبلغ حدّا يقف عنده، إلا أن الوجود فى نمو دائم لا يتوقف، ولعل هذا من بعض ما يشير إليه قوله تعالى:«يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ»(١: فاطر) ..
قوله تعالى:
«وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ» ..
معطوف على قوله تعالى:«وَالسَّماءَ بَنَيْناها» ..
وقوله تعالى:«فَنِعْمَ الْماهِدُونَ» - هو ثناء من الله سبحانه وتعالى من ذاته على ذاته، كما فى قوله تعالى:«فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(١٤: المؤمنون) وقوله سبحانه: «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(١: الملك) وقوله جل شأنه: «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً»(١: الفرقان) ..