وجاء صباح يوم آخر.. وقد هدأت موجات الجلال التي غشيت النفس بالأمس، وهأنذأ أمسك بالقلم، ولكن لا أجد شيئا مما كان يملأ صدرى من خواطر وتصورات!! فأين ذهب كل هذا؟ إنى لا أكاد أذكر شيئا مما كنت فيه بالأمس، بل لا أكاد أذكر فيم كنت.. وأحسب أن الأمر يحتاج إلى معاودة النظر فى الآية الكريمة، نظرا مجدّدا يستجيش المشاعر، ويحرّك المدارك، ويبعث من جديد هذه النشوة التي خمدت، أو كادت..
ومن النظر فى وجه الآية الكريمة:«يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ» تجد أن تشبيه الناس بالفراش المبثوث- كما أشرنا إلى ذلك من قبل- يمثل أكمل تمثيل وأدقه تلك الصورة التي يكون عليها الناس يوم القيامة، وأن حياة الفراشة من بدئها إلى نهايتها تمثّل حياة الإنسان من حال كونه نطفة إلى أن يولد، وينمو، ويقطع مسيرته فى الحياة الدنيا، ثم إلى أن يموت، ثم يبعث فى هيئة فراشة، كانت بيضة، ثم دودة، ثم عذراء ملففة فى أكفان من الشرنقة، ثم تنشق عنها الشرنقة، فإذا هى فراشة! ..
هذا ما وقفنا عنده- على ما أذكر- من قبل..
الناس إذن يكونون يوم القيامة كالفراش المبثوث- فحين يخرجون من الأجداث يطيرون فى خفّة كما يطير الفراش المنطلق نحو النور والنار! ..