وقوله تعالى:«بَلْ لا يُوقِنُونَ» - هو استدراك على سؤال يرد على قوله تعالى:
«أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟» وهذا السؤال هو: وهل ينكر المشركون أن الله هو الذي خلق السموات والأرض؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول عنهم:«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ»(٩: الزخرف) فكيف يسألون هنا هذا السؤال الذي فيه اتهام لهم بالقول بأن للسموات والأرض خالقا غير الله؟ فكان قوله تعالى:«بَلْ لا يُوقِنُونَ» دافعا لهذا الذي يقع فى الوهم من تعارض بين سؤالهم سؤال المتهم، فى قوله تعالى:«أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» وبين إقرارهم بما يدفع هذه التهمة عنهم فى قوله تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» .
(٢٥: لقمان) وذلك أن قوله تعالى: «بَلْ لا يُوقِنُونَ» يكشف عن حقيقة إقرارهم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض.. فهو إقرار لا يقوم على استدلال وبحث، ونظر.. ومن ثمّ فلا يقع منهم موقع اليقين.. فلم يكن إقرارهم بما أقروا به، إلّا عن قهر واضطرار، إذ لم يجدوا بدّا من التسليم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض! أمّا هذا الخالق، وقدرته، وعلمه وحكمته وسلطانه، فلم يكن له مفهوم واضح يقوم على إدراك سليم عندهم.. ولو كان هذا الإقرار قائما على إدراك صحيح، وفهم سليم، لكانوا مؤمنين به، مصدقين لرسوله، مؤمنين بآيات الله التي بين يديه.. وهكذا كل قول لا يقوم على علم لا يبعث فى صاحبه يقينا بمفهوم هذا القول، ولا يحدث فى نفسه أثرا يثير وجدانه، ويحرك مشاعره، ويؤثر فى منازعه.. فهذا هو كلام الله، يمسك بالحقائق من أطرافها جميعا:«وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»(٨٢: النساء) .