يومئذ فى صورته الكاملة التي له، والتي ظهر فيها- كما يقول المفسرون- بستمائة جناح له، الأمر الذي كان داعية إلى هذا الفزع والاضطراب الذي ملأ كيان النبي يومئذ..!
وهذا الذي ذهب إليه المفسرون، على ما فيه من تكلف ظاهر فى التأويل- هو- من جهة أخرى- بعيد عن منطق الحكمة فى اتصال النبي بالسماء، حيث يطلع عليه منها فى أول لقاء معها، هذا الهول المفزع الذي لا يمكن أن يكون أبدا مدخلا حكيما إلى قيام صلة وثيقة بين السماء وبين النبي المتلقى لرسالة السماء منها..
فتعالت حكمة الله سبحانه وتعالى عن هذا، علوا كبيرا..
ولعل الأقرب والأوفق، فى هذا المقام، أن يجىء جبريل إلى النبي فى أول لقاء له معه، فى صورة بشرية، أو أقرب إلى البشرية.. فهكذا يقتضى المنهج الحكيم، فى التربية والتعليم، وذلك بالتدرج من السهل إلى الصعب. وهكذا جاءت ملائكة السماء إلى إبراهيم كما يقول سبحانه:«هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ» فقد جاءوا إليه فى صورة بشرية كاملة.. كما جاءوا إلى لوط فى تلك الصورة البشرية نفسها، إذ يقول عنهم مخاطبا قومه..
وهكذا جاء رسول السماء إلى «مريم» كما يقول: «فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا»
.. (١٧: مريم) وأحسب أن الذي حمل المفسرين على هذا التأويل المتكلّف، هو رأيهم فى فواصل الآيات القرآنية، وأنها قد نجىء لمراعاة النظم..
ولو أنهم، نظروا إلى الإعجاز القرآنى، الذي لا تحكمه ضرورة «القافية» التي قد تحكم الشعر- لو أنهم نظروا إلى هذا، لجعلوا قوله تعالى:«فاستوى» - هو فاصلة الآية، التي يقتضيها المعنى ويتم بها، ولكان الوقوف عندها