المعركة، وفريق فرّ مثخنا بالجراح، محملا بخزي الهزيمة وعارها مثقلا بالحزن والألم، لما فقد من أهل وأحباب.
وتغلى مراجل الضغينة والحقد فى رءوس المشركين، وتتحول مكة كلها إلى ذئاب عاوية، تتردد فى بيوتها، وفى أنديتها، وطرقاتها أصداء هذا العواء المسعور، تسبّ وتتوعد، «محمدا» ومن اجتمع إليه من مهاجرين وأنصار..
ثم هاهى ذى تجىء إليه محملة بحقدها، مشحونة ببغضائها، لتلقاه فى يوم كيوم بدر، تراق فيه الدماء، وتتناثر الأشلاء، ويتقطع فيه ما بقي بينه وبين قومه من أواصر الرحم والقرابة.. فما أمرّ هذا وما أقساه!! ويأسى النبىّ الكريم لهذا ويحزن، وكان يودّ ألا يبلغ الأمر بينه وبين أهله إلى هذا الحدّ، وهو الذي جاءهم بالهدى والرحمة، ودعاهم إلى البر والتقوى.
ولكن القوم أبوا إلّا إعناتا له، وخلافا عليه، وإمعانا فى توجيه الأذى والضرّ إليه وإلى من اتبعه، حتى لقد حملوه على أن يهاجر من موطنه، ليخلص بدينه، وليجد له طريقا غير هذا الطريق المسدود! فكان قول الله تعالى:«لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» عزاء للنبيّ، وتخفيفا لما وجد فى نفسه من تلك الحال التي وقعت بينه وبين أهله وذوى قرابته.. كما كان فيه إلفات لهؤلاء المشركين إلى الجهة التي نالتهم بهذا السوء الذي حلّ بهم، جزاء كفرهم وعنادهم، وأنها جهة لا تنال.. إنها يد الله القوى العزيز، لا يد محمد، ولا أصحاب محمد، وفى هذا تيئيس لهم من أن يأخذوا بثأرهم الذي احتسبوه على محمد وأصحاب محمد، فما كان لمحمد وأصحابه من هذا الأمر شىء! وقوله تعالى:«أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ» فتح لصفحة جديدة، ولحساب جديد مع هؤلاء المشركين، بعد وقعة بدر.. فهم بين أمرين: إما أن يرجع راجعهم إلى الله ويستجيب لدعوة الحق الذي يدعى إليه، فيجد المغفرة والرحمة،