وقد اختلف فى شخص هذا الشقي الذي تحدثت عنه هذه الآيات، بما تمنيه به نفسه من كواذب الأمانى وأباطيلها.
والرأى- عندنا- أن هذا الحديث لم يقصد به واحد بعينه من هؤلاء المخدوعين بأنفسهم، والذين جذبتهم أنوار الإسلام إليه، ثم لم يلبثوا أن ارتدوا على أدبارهم خاسرين.. فكثير من مشركى مكة كان لهم مثل هذا الموقف المتردّد بين الإقبال على الإسلام، والإدبار عنه، ثم لم يلبثوا إلا قليلا حتى تحددت مواقفهم، فمضى بعضهم فى طريقه إلى الإسلام، ونكص بعضهم على عقبه، نافرا، مستكبرا.
أي: ألم يعلم هذا المتأمّى على الهدى، ما فى صحف موسى، وما فى صحف إبراهيم؟
والمراد بالاستفهام هنا طلب هذا العلم الغائب عنه، وأنه إذا كان هذا الضال لم يعلم بما فى صحف موسى وإبراهيم، فليطلب هذا العلم، مما سنبينه له فى الآيات التالية.
ووصف إبراهيم عليه السلام، بأنه وفيّ، إشارة إلى ما كان منه من الوفاء بالرؤيا التي رأى فيها أنه يذبح ولده، فعرضه للذبح، وهمّ بذبحه، كما يقول سبحانه:«فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا! إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»(١٠٣- ١٠٥: الصافات) .. فهذا من إبراهيم هو غاية الوفاء، بما لله سبحانه عليه من طاعة وولاء.