«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» فقد تكررت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة، خلال آيات السورة البالغ عددها ثمانيا وسبعين آية..
وقد كان هذا التكرار مدخلا من مداخل الطعن على القرآن، عند كثيرين من مرضى العقول والقلوب، من المستشرقين والمتتلمذين عليهم.. إذ عدوّا هذا التكرار مخلّا ببلاغة الكلام، جائرا على فصاحته، ثم يجاوزون هذا إلى القول بأن هذا التكرار الذي جاء خارجا على الأسلوب العام للقرآن، إنما يمثل حالا من أحوال الصّرع الذي كان يعرض للنبىّ! «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» ..
ولا نعرض لدحض هذه المفتريات، إذ كانت تحمل فى كيانها أكثر من شاهد يشهد عليها بالكذب والافتراء.. وحسبنا أن نقف بين يدى هذا الإعجاز المبين من آيات الله..
فهذا المقطع الذي بدأت به السورة الكريمة، هو مقدمة موسيقية علوّية اللحن، قدسية النغم، لا تكاد تتحرك بها الشفاه، وتتصل بها الآذان، حتى يتفتق من أكمامها هذا الجلال المهيب، الذي يملأ القلوب مهابة وخشية، وحتى يشيع فى النفوس روحا وانتشاء.. سواء فى ذلك من وقف عند تناغم الألفاظ، وتجاوب جرسها، أم من جمع إلى هذا ما يفتح الله له من علم يرى فى أضوائه جلال المعنى، وصدقه المصفّى من شوائب الباطل والضلال..
فالنظم الذي جاءت عليه هذه الآيات، مستغن بنفسه عن أن يحمل كلماته ما تحمل اللغة من دلالات ومفاهيم، متعارفة بين أهلها، وحسبه أن يفعل بنغمه الموسيقى، ما لا تفعل أروع ألحان الموسيقى من روح وانتشاء! فكيف إذا حمل هذا النغم مع ذلك أدق وأصدق وأحكم ما تحمل الكلمات من معنى؟ ..
انظر كيف يطلع هذا المطلع على تلك الصورة الرائعة الفريدة من النظم..