أي ومن دون هاتين الجنتين اللتين ذكرهما الله سبحانه وتعالى فى قوله جلّ شأنه:«وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» - أي ومن دون هاتين الجنتين جنتان أخريان، أنزل منهما درجة، وأدنى منزلة، وإن كان ما فيهما من النعيم ممّا لا يحيط به وصف، وإن القطرة منه لتوازى ما عرف الناس جميعا من نعيم الدنيا..
وهذا يعنى أن أهل الجنة ليسوا على درجة واحدة.. وهذا طبيعى، إذ لم يكن المحسنون على درجة سواء فى الإحسان.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ»(١٦٣: آل عمران) وقد جاء بيان ذلك فى سورة «الواقعة» التالية لهذه السورة، وفيها يقول سبحانه:«وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(٧- ١١: الواقعة) .. فالناس فى الآخرة، على ثلاثة أحوال: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون من أصحاب اليمين وكل حال من تلك الأحوال الثلاثة درجات كثيرة، يختلف بعضها عن بعض، صعودا ونزولا..
وقوله تعالى:«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» - إشارة إلى أن هاتين الجنتين، مجردتين من أي وصف، هما نعم جليلة من نعم الله، لمن ظفر بدخولهما.. «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ»(١٨٥: آل عمران) .. وأي فوز أعظم من النجاة من النار، ولو كان فى الحياة بالعراء؟ فكيف بالنجاة من