أي أنه ما حدث حدث فى الأرض، أو لإنسان من الناس، إلا كان ذلك أمرا مقدورا فى كتاب الله، من قبل أن يقع هذا الأمر، ويأخذه مكانه فى الأرض، أو فى حياة الناس.. وقوله تعالى:«نَبْرَأَها» أي نخرجها من عالم الخفاء إلى عالم الظهور.. ومن أسمائه سبحانه «البارئ» الذي برأ الوجود أي أوجده..
وفى التعبير عن وقائع الأمور وأحداثها بأنها «مصيبة» - إشارة إلى أن المكاره هى التي تلفت الناس أكثر من غيرها، وأنها هى التي تثير تساؤلاتهم، وتشغل أفكارهم.. أما مواقع النعم والإحسان فقلّ أن يلتفت الناس إليها، وإن التفتوا إليها أضافوها إلى أنفسهم، واعتبروها من كسب أيديهم وأن كثيرا منهم من يقول- بلسان الحال أو لسان المقال- قولة قارون:
«إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي»(٧٨: القصص) والمخاطبون بهذا، هم أولئك الذين دعوا إلى المبادرة إلى الإيمان، والسعى حثيثا إلى الله، وإلى ابتغاء مرضاته وهم عاكفون على متاع الحياة الدنيا، وشهواتها- فهؤلاء يقفون من الإيمان بالله، موقف فتور، وتخاذل..
ففى إيمانهم دخل، ومن هنا فإنهم يرون ما يقع بهم من مكروه، هو من المصائب التي تملأ نفوسهم سخطا، فلا يستسلمون لأمر الله، ولا يرضون بما حكم به فيهم..
فقوله تعالى:«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها» - هو خطاب للناس عامة، وللمؤمنين بالله خاصة، ولهؤلاء الذين فى قلوبهم مرض على وجه أخص..