نعمة الهداية إليه، فقد ناسب أن تذكر هنا هذه النعمة الجليلة، نعمة إرسال الرسل، وما معهم من كتب الشرائع، وما فى أيديهم من معجزات، تشهد لهم بأنهم رسل الله، وأن دعوتهم التي يحملونها إلى الناس هى دعوة الله.
وقوله تعالى:«لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» هو بيان الحكمة من إرسال الرسل، وما يحملون إلى الناس من آيات الله وكلماته، وما تحمل هذه الآيات والكلمات من أحكام وشرائع- فالحكمة من هذا، هى هداية الناس، وإقامتهم على طريق الحق والخير، لتطيب لهم الحياة، ولتقوم بينهم روابط الأخوّة والمحبة والتعاون على البر والتقوى. هذا هو المقصد الأول لما يبشر به الرسل فى الناس، من الدعوة إلى الله، وإلى دين الله.. ولكن دعوة الخير شىء، والمدعوون إليها شىء آخر.. إنها أشبه بريح محملة بالطيب، فتنتعش بها نفوس وتختنق بها نفوس..
أو هى أشبه بالشمس، تشرق فتكتحل بنورها كثير من الكائنات، ويحيا بحرارتها كثير من المخلوقات، على حين يعمى فى ضوئها كثير من العيون، ويموت تحت أشعتها كثير من الجراثيم، والهوامّ! وقوله تعالى:
نظر أكثر المفسرين إلى «الحديد» هنا، على أنه إنما ذكر فى معرض التعداد لنعم الله على عباده، وأنه إذا كان بعث الرسل نعمة من أجلّ النعم، فإن الحديد كذلك نعمة من النعم العظيمة، التي يدفع به الناس عدوان بعضهم على بعض، كما يتخذون منه أدوات كثيرة غير أدوات الحرب والقتال.
عند هذه النظرة وقف المفسرون.. ولم نر أحدا- فيما بين أيدينا من كتب التفاسير- قد جاوز هذه النظرة، وجعل للحديد شأنا غير هذا الشأن الذي له فى حياة الناس، كمعدن من المعادن التي بين أيديهم..