للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعدائهم، فيقتلون منهم نحو سبعين قتيلا.. وينكشف الرسول، إذ تتناثر الكتيبة التي حوله، بين قتيل، وجريح، ومهزوم.. ويثبت الرسول الكريم مع فئة قليلة من أصحابه، ويخلص إليه من سهام العدوّ أذى كثير، حتى لتشجّ رأسه، وتنكسر ثنيّته، وينادى منادى المشركين: أن محمدا قتل!! وهنا يستبدّ الهول والفزع بالمسلمين، وتكاد تنتهى المعركة بالهزيمة القاصمة، لولا أن نادى منادى الرسول: أن رسول الله هنا فى المعركة، يقاتل المشركين.. فتثوب إلى المسلمين ألبابهم الشاردة، ويجتمعون إلى رسول الله، ويصمدون معه فى ردّ عدوان المعتدين..

وتكتفى قريش بما نالت، وتقف بالمعركة عند هذا الحدّ، خوفا من أن تدور الدائرة عليها، لو أنها مضت بالحرب إلى آخر الشوط! ويعود النبىّ وأصحابه من المعركة، وقد أصيبوا فى أنفسهم، وفى أصحابهم..

وفى القلوب حزن وأسى، وفى النفوس ضيق واختناق، ويهبّ على المدينة إعصار محموم، يلفّ الناس فى جوّ كئيب، ملفف بالسواد، لا يرى فيه الرائي موقع قدميه! وأين بدر ويومها؟ وأين الوجه الذي استقبلت به المدينة أصحاب بدر، من هذا الوجه الذي تستقبل به أصحاب أحد؟

وتدور فى الرءوس، وعلى الشفاه، خواطر، وهمسات، وغمغمات، تكاد لكثرتها أن تكون هديرا كهدير البحر الهائج، أو عواء كعواء الريح العاصف! وتعلو أصوات المنافقين والكافرين، فتقرع أسماع المسلمين، بالتجديف على الإسلام، والتكذيب لرسول الله، والسخرية بالملائكة التي قيل إنها قاتلت مع المسلمين يوم بدر! فأين رب محمد؟ وأين الملائكة التي يقول إن ربّه يمدّه بها؟ لقد قتل أصحابه، وكاد أن يقتل هو.. فما لربّه لا يدفع عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>