المحاربين لله ولرسله.. والحديد أيضا هو هذا الخير الكثير الذي تتلقاه النفوس المهيأة للإيمان من آيات الله وكلماته المنزلة على الرسل.. وهذا لا يمنع من أن تبقى للحديد صفته المادية التي يعرف بها، فيتخذ منه فيما يتخذ أدوات الحرب للجهاد فى سبيل الله، وأنه كما يجاهد الرسل والمؤمنون معهم، أعداء الله بألسنتهم، فإنهم يجاهدون بأيديهم، ويدفعون بغيهم وعدوانهم بسيوفهم.
وقدّم ما فى الحديد من بأس شديد على ما فيه من منافع، لأن أكثر ما تنجلى عنه دعوة رسل الله، هو هلاك الأكثرين، ونجاة القليلين. كما يقول سبحانه عن دعوة نوح عليه السلام:«وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ»(٤٠: هود) وكما يقول سبحانه مخاطبا النبي الكريم. «وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»(١٠٣: يوسف) .
قوله تعالى:«وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ» - هو معطوف على قوله تعالى «لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» .. فهو تعليل آخر يكشف عن وجه ثان من وجوه الحكمة فى بعثة الرسل، وما يضع الله سبحانه وتعالى فى أيديهم من معجزات، وما ينزل عليهم من آياته وكلماته..
والحكمة الأولى من بعثة الرسل هى هداية الناس، وإقامتهم على طريق الحق والعدل..
والحكمة الثانية، هى أن تنكشف بدعوة الرسل أحوال الناس، وما يكونون عليه من إيمان وكفر.. فيحاسب كل بما انكشف منه، وإنه لا حساب ولا جزاء إلا عن ابتلاء واختيار..
فقوله تعالى «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ، بِالْغَيْبِ» - بيان لما ينكشف عنه أمر الناس من دعوة رسل الله إليهم، فعلى ضوء هذه الدعوة يعرف من هم