أي فآتينا الذين رعوا هذه الرهبانية حق رعايتها- آتيناهم أجرهم كاملا، وهم قليل..
أما أكثرهم فقد خرج عن هذا الطريق القويم، ولم يرع حق هذا العمل المبرور، الذي كانت غايتهم بإلزام أنفسهم إياه، ابتغاء فضل الله، وطلب المزيد من إحسانه..
وهذا يشير إلى أن الرهبانية أكثر من أن تحتملها النفوس البشرية، ولهذا فإنها لم تكن من شريعة الله، فلما شرعها الناس لأنفسهم، وعقدوا مع الله تعالى عهدا على مراسم خاصة بها- لم يطيقوا الوفاء بهذه المراسم، مع اتخاذهم الرهبنة زيّا.. فكان ذلك نقضا لعهد الله، وخيانة للأمانة التي ألزموا أنفسهم إياها، رياء وخداعا للناس.
والمعنى، أن الله سبحانه قفىّ أي أرسل، وبعث، بعد هذين النبيين الكريمين- نوح وإبراهيم- برسل كثيرين، ثم أرسل بعد هؤلاء الرسل عيسى ابن مريم، وآتاه الإنجيل، وجعل فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، إذ كانت دعوته عليه السلام، قائمة على الموادعة والمحبة والسلام.
فالرأفة والرحمة التي جعلها الله سبحانه فى قلوب المستجيبين لدعوة السيد المسيح، إنما هى أثر من آثار هذه الدعوة التي أرسله الله سبحانه وتعالى بها، فمن لم تسكن قلبه الرأفة والرحمة، فليس من أتباع المسيح فى شىء.. إنها دعوة أرادها الله سبحانه وتعالى ليكون من أتباعها جنود فداء وتضحية فى مقام البذل والعطاء من ذات أنفسهم لهذا المجتمع الإنسانى الذي تغلى فيه مراجل الأنانية والأثرة، ويتقاتل فيه الناس بالمخالب والأنياب، كما تتقاتل الحيوانات المفترسة