وفى ذلك دليل على أن المراد بهذا، هم الصحابة الذين كانوا على لقاء دائم بالنبي، ذلك اللّقاء الذي يدعوهم إلى تقديم صدقات كلّ يوم، لا صدقة واحدة..
ومن جهة أخرى، فإنه من المحال أن يضنّ واحد من صحابة رسول الله بماله كله، ويمسك به، إذا كان هذا المال وسيلة إلى لقاء النبي.. فكيف والصدقة المطلوبة هى بعض من هذا المال؟.
ورابعا: قوله تعالى فى هذه الآية أيضا: «فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» يشير إلى أن الذين لم يفعلوا، أي لم يستطيعوا تقديم الصدقة- لا ضنّا بها، ولكن عجزا عنها- هؤلاء قد تاب الله عليهم، أي رحمهم، ورفع عنهم الحرج، وأفسح لهم الطريق إلى مناجاة النبي من غير تقديم الصدقة التي عجزوا عنها.
فالتوبة هنا، معناها الرحمة، والقبول، والرضا، فهى توبة من الله سبحانه وتعالى عليهم، أي عود عليهم منه سبحانه وتعالى بفضله ورحمته. ومثل هذه التوبة ما جاء فى قوله تعالى:«لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ»(١١٧: التوبة) فالتوبة هنا توبة رضى وإحسان.
أما التوبة من العبد، فهى رجوع إلى الله بالندم، والانخلاع من المعصية..
وقوله تعالى «وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» جملة حالية من الفاعل فى قوله تعالى:
«فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا» أي إذ لم تقدموا الصدقة فى حال قد قبلكم الله عليها، ورحمكم فيها.
وقوله تعالى «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» - هو جواب «إذ» التي تفيد مع الظرف معنى الشرط.. أي فإذ قد رحمكم الله، وعاد بفضله عليكم، ورفع عنكم الحرج فى لقاء النبي من غير