للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى:

«وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ» أي أن هؤلاء القوم الذي كتب الله عليهم الجلاء، وقضى عليهم به- لو نظروا إلى المستقبل القريب، ورأوا ما سوف يحلّ بإخوانهم من بنى قريظة، من قتل، إذن لحمدوا الله وشكروا له، أن كان الجلاء هو الجزاء الذي أخذوا به، فأجلوا عن المدينة، فكان بعضهم فى خيبر، وبعضهم فى الشام.

وهذا يعنى أن اليهود فى الجزيرة العربية كانوا يومئذ بين أمرين من أمر الله: إما الجلاء، وإما القتل والسبي.. وأن أحسنهم حظّا من كتب عليهم الجلاء.. وفى هذا إرهاص بالبقية الباقية من اليهود فى المدينة، وأنهم إذا لم يجلوا عنها، عذّبوا فى الدنيا بالقتل وبالسبي.. أما فى الآخرة فلهم جميعا عذاب النار..

وهذا العذاب الأخروى ليهود الجزيرة العربية، إنما هو لكفرهم برسول الله، بعد علمهم بدعوته، والوقوف على معطيات رسالته، وشهودهم شواهد الإعجاز منها.. ولهذا، كان أهل الكتاب- من اليهود والنصارى- الذين بلغتهم الرسالة النبوية- كانوا يخاطبون فى القرآن الكريم على أنهم كافرون، كما يقول سبحانه: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» (١: ٣ البينة) ومن هذا قوله تعالى: «يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ» (٧٠: آل عمران) قوله تعالى:

«ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>