مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة كانت عرضا لإيمان المؤمنين وولاء بعضهم لبعض، وإيثار بعضهم بعضا، فى مشهد ومغيب، وفى حاضر، وماض، وآت.. إنهم جميعا أمة واحدة، وكيان واحد، يجمعه الإيمان، ويوحد بينه التوحيد- فجاءت هذه الآية وما بعدها لتكشف عن وجه أهل الضلال والنفاق، وعن الروابط الزائقة الواهية التي تربط بعضهم ببعض..
ففى قوله تعالى:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ» .. فضح لهذا العهد الكاذب الذي قطعه المنافقون، للذين كفروا من أهل الكتاب، وهم اليهود الذين ما زالوا فى المدينة كبنى قريظة، وبنى قينقاع، وبنى النضير الذي أجلاهم النبي عن المدينة، كما أشارت إلى ذلك الآيات فى أول السورة..
والمنافقون، هم جماعة عبد الله بن أبى بن سلول، ومن انضوى إليه من أهل الضلال..
وهؤلاء المنافقون، كانوا قد بعثوا إلى اليهود بعد جلاء بنى النضير ألّا يستسلموا أبدا للنبى، وألا يخرجوا من ديارهم، وأنهم، - أي المنافقين- يد واحدة معهم على النبي والمسلمين، وأنه إذا اضطر هؤلاء اليهود يوما إلى الخروج، خرج هؤلاء المنافقون معهم، وأبوا أن يسمعوا لقومهم إذا دعوهم إلى البقاء معهم.. وهذا يعنى أنهم معهم أينما كانوا، فإذا كان خروج من المدينة خرجوا معهم منها، وإن كان قتال قاتلوا معهم.