وكان لهذا الخبر الكاذب وقعه على المسلمين، فاضطربت لذلك صفوفهم، ووقع كثير منهم تحت وطأة الحزن والكمد، فهام على وجهه يطلب الفرار من وجه هذا الهول الصاعق.. إذ كانوا- وهم يعلمون أن محمدا ميت وأنهم ميتون- غير مستعدّين، نفسيا، وهم فى معمعة المعركة، ووجودهم كله مستغرق فيها- كانوا غير مستعدين أن يتلقوا هذه الصدمة المزلزلة، وأن يصدقوها، وإن كانت حقّا، لا يمترون فيه ولا يشكّون! فكان عتاب الله لهم على ما كان منهم فى هذا الموقف، عتابا رقيقا، يحمل فى طياته الرحمة والمغفرة.. فما لقيهم الله بالعتاب إلا بعد أن ردّهم إلى الحق الذي عرفوه وآمنوا به، وإن كان قد غاب عنهم، أو ذهلوا عنه فى هذا الموقف الرهيب! «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» .. وما الرّسل إلا ناس من الناس، وبشر من البشر.. يموتون كما يموت سائر الناس، وقد مات الرسل جميعا، ولا بد أن يموت محمّد.
فكيف إذا مات محمد أو قتل تتحولون عن مواقفكم، وتنقلبون على أعقابكم تاركين ما دعاكم إليه، وأقامكم عليه من الجهاد فى سبيل الله؟ إن ذلك غير مستقيم مع منطق أبدا!! «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً» فهذا حكم الله.. إن من ينقلب على عقبيه فيكفر بالله بعد إيمانه، أو ينكص عن الجهاد بعد موت النبي، فلن يضر الله شيئا.. إن الله غنى عن العالمين.
والعدول بالخطاب من الحضور إلى الغيبة، وصرفه عن الماضي إلى المستقبل- فيه ما فيه من لطف الله، ورحمته وإحسانه، بل ورضاه عن المسلمين الذين شهدوا أحدا، وشمولهم جميعا بهذا الصفح الجميل، والرضوان العظيم..