هذا القرآن لم يتجه إلى الجبل، وإنما اتجه إلى الإنسان.. ومع هذا فإن كثيرا من الناس لم يقع هذا القرآن منهم موقعه من الجبل الأصم لو نزل عليه.. فلم يخشعوا له، ولم تلن قلوبهم به.. فهناك فى الناس قلوب قاسية، أشد قسوة من حجارة هذا الجبل، كما يقول سبحانه:«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(٧٤: البقرة) وكما أن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، وما يشقق فيخرج منه الماء، وما يهبط من خشية الله- فكذلك فى القلوب ما يفيض بالخير، فيكون أشبه بالنهر العظيم أو النبع الصافي يعيش فى خيره الناس، وكذلك فى القلوب ما يلين ويخشع لذكر الله. «الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(٢: الأنفال) فمن قرأ القرآن، أو استمع إليه، ولم يخشع قلبه له، ولم ينضح بقطرات من الخير والإحسان، ولم تبرق فى سمائه بروق الهدى والإيمان- فليعلم- إن كان منه أن يعلم- أنه دون بعض الأحجار، قبولا للخير، وتأثرا به..
قوله تعالى:«وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» أي وهذه الأمثال التي يسوقها القرآن للناس، إنما هى لتقريب الحقائق إلى عقولهم، ليروا على مرآتها أحوالهم، وما فى تلك الأحوال من انحراف أو عوج، حتى يقوموا منها ما انحرف، ويصلحوا ما اعوج.. هذا إذا كانت لديهم عقول يعقلون بها.. فهذه الأمثال، إنما هى لمن يعقل، ويتفكر فيما عقل..