الثانية مؤكّدة بمؤكدين.. اللام، وقد.. «لَقَدْ» : على حين جاءت الدعوة لأولى مؤكدة بمؤكد واحد: «قد» ..
والجملة الخبرية هنا، وهناك، مراد بها الطلب، أي الأمر بالتأسى، لا مجرد الخبر.. أي تأسّوا أيها المؤمنون بإبراهيم والذين معه، وقفوا من قومكم موقفهم من أقوامهم.. فذلك التأسى هو شأن من كان يرجو الله واليوم الآخر، حيث يكون ولاؤه لله وللمؤمنين، ذلك الولاء الذي يقضى بأن يقطع كلّ ولاء مع المشركين والكافرين، ولو كانوا آباء، أو أبناء..
قوله تعالى:«وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» أي ومن يعرض عن موالاة الله والمؤمنين، ويؤثر موالاة أهله، وعشيرته من المشركين- «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ» - الذي لا ينفعه ولاء من والاه، ولا يضره عداوة من عاداه..
إنه سبحانه هو الغنى غنى مطلقا عن كل ما فى هذا الوجود، لأنه موجود بكمالاته كلها قبل أن يوجد هذا الوجود.. وهو سبحانه «الحميد» الذي يحمد لعباده المؤمنين إقبالهم عليه، وموالاتهم له، وإن كان فى غنى عن هذا الإيمان، وهذا الولاء.. فذلك الحمد، هو فضل، وإحسان منه، إلى عباده المؤمنين المحسنين..
قوله تعالى:
«عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فى الآية الكريمة عزاء للمؤمنين عن هذه القطيعة التي تقع بينهم وبين ذوى قراباتهم وأصدقائهم من المشركين، وإنه لكيلا تبلغ هذه القطيعة مداها، وتأخذ مكانا متمكنا فى النفوس، وتنبت فى صحرائها أشواك الضغينة والحقد التي لا يمكن اقتلاعها.. جاءت الآية الكريمة، لتقيم المسلمين على قطيعة موقوتة مع أهليهم، وعلى جفاء يرتقب له اليوم الذي ينتهى فيه، وذلك أن كثيرا