ثم من جهة أخرى.. ما معنى أن المحامى- إذا كان هو «روح القدس» ، الذي هو الله ذاته- ما معنى أنه لا يتكلم من عند نفسه.. «بل يتكلم بما يكون قد سمع، ويخبركم؟» أروح القدس، أو الله، ينتظر من يلقّنه ما يقول، وبأذن له به.. فيتكلم بما يكون قد سمع؟
وهذا من حيث الشكل- كما يقال فى لغة القضاء- أما من حيث الموضوع، فإذ ننظر نجد:
(أولا) : أن «روح القدس» الذي يقال إن المسيح وعد بإرساله بعد أن يمضى- لم ير له أحد وجها، لا من أتباع المسيح، ولا من غيرهم.
(وثانيا) أن روح القدس هذا، وهو المحامى أو مستشار الدفاع- لم يعرف له أحد موقعا، ولم يكن له قول مأثور فى شأن المسيح، وفى تمجيده..
فأين إذن هو روح القدس؟ وأين أعماله، وأقواله، التي واجه بها الناس لتمجيد المسيح؟ ولسنا نجد جوابا لهذا إلا إذا نظرنا فى القرآن الكريم، ووقفنا عند ما جاء فيه من دفاع مشرق مفحم، عن السيد المسيح.. هذا الدفاع المشرق المفحم، هو تمجيد وتعزية للسيد المسيح، لما أصابه فى شخصه، وفى شخص أمّه، من ضرّ وأذى! جاءت- بعثة «محمد» صلوات الله وسلامه عليه- وقد مضى على الدعوة المسيحية نحو ستة قرون، وكان هذا الزمن الممتد كافيا لأن يفسح للدعوة مجال الحركة فى الحياة، وأن يبلغ بها أقصى ما تبلغه فى عقول الناس وقلوبهم.. من أولياء الدعوة وأعدائها على السوء.. إذ قد استنفد أعداؤها كلّ ما لديهم من مقولات يقولونها فى المسيح ودعوته، كما استنفد أولياؤها كلّ ما عندهم من مقولات، فى تصويرها، وتقرير حقائقها والاحتجاج لها.. ومن هذا الشد والجذب،