مصعّدا فى الجبل.. فهؤلاء جميعا كانوا موضع لوم وعتب بين جماعة المسلمين الذين ثبتوا للعدو، وصمدوا لضرباته.. وقد كثر القول فيهم، وتضاربت الآراء فى إيمانهم! وتلك حال جدير بها أن تمزّق وحدة المسلمين، وأن تفتّ فى عضدهم، بل وأن تذهب ببعض نفوسهم همّا وكمدا.
وتجىء رحمة الله، فتهب هؤلاء الملومين عفوا ومغفرة. وتنقلهم من هذه العزلة الباردة القاتلة، إلى حيث دفء الطمأنينة، وروح السلامة والعافية..
وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه:«إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» .
فهؤلاء الذين تولوا يوم القتال، إنما كان ذلك منهم لما مكّنوا للشيطان من أنفسهم، ببعض ما كسبوا من سيئات! وهذا يعنى أن المؤمن الحريص على إيمانه، الحارس له من نزعات الهوى، هو فى حصن حصين من أن ينفذ الشيطان إليه، ويوسوس له، ويستولى على زمام أمره..، إن المعاصي التي يرتكبها المؤمن، هى قذائف مدمرة، تدك حصون إيمانه، فيجد الشيطان طريقه إليه، ثم يرميه الرمية القاتلة.
وفى قوله تعالى:«وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ» إعلان كريم، من رب كريم، بالصلح الجميل، والمغفرة الواسعة، التي تصحح إيمان المؤمن، وتعيد بناءه أقوى قوة، وأشدّ صلاية! وفى قوله سبحانه:«إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» إعلان آخر عن سعة رحمة الله ومغفرته، وأنها تسع العصاة كما تسع الطائعين.. فحلمه يستدعى مغفرته أن تغفر للمذنبين، ولا تأخذهم بما اقترفوا، حتى يعذروا بهذا الصفح وتلك المغفرة، مرة، ومرات..
ونجد فيما كان من رحمة الله ومغفرته لهؤلاء الذين استزلّهم الشيطان-