للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكشفان عن سعة علمه، ونفوذ هذا العلم إلى أعمق أعماق الوجود.. فهو علم «اللطيف» الذي لا يحجب عنه شىء «الخبير» الذي لا تخفى عليه حقيقة أي شىء..

قوله تعالى:

«هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» ..

هو خطاب للناس جميعا، وإلفات لهم إلى فضل الله عليهم، وإحسانه إليهم، إذ خلقهم، وأقامهم على خلافة الأرض، وجعل الحياة فيها ذلولا لهم، أي مذللة، ميسرة لهم، بما أوجد فيها من أسباب الحياة، وأدوات العمل للعاملين فيها..

وقوله تعالى: «فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ» - هو دعوة إلى العمل فى هذه الحياة، وإلى السعى فى الأرض، والضرب فى وجوهها المختلفة.. فالله سبحانه قد وضع بين أيدى الناس خيرات كثيرة ممدودة على بساط هذه الأرض، وعليهم هم أن يتحركوا فى كل وجه على هذا البساط، وأن يمدّوا أيديهم إلى كل شىء يقدرون عليه من هذا الخير، فإن هم لم يفعلوا، فقد بخسوا أنفسهم حقها من الحياة الكريمة على هذه الأرض، ونزلوا إلى درجة الحيوانات التي تأكل من حشائشها، وخسيس ثمارها..

ومناكب الأرض، هى أجزاؤها العليا فيها، أشبه بمنكبي الإنسان، وهما جانبا الكتفين.. وهذا يعنى أن يستدعى الإنسان قواه كلها، وأن يعمل فى الحياة عملا جادّا، يحشد له طاقانه الجسدية والعقلية، حتى يأخذ مكانا متمكنا من الأرض، يستطيع به أن يقهر قوى الطبيعة فيها، وأن يقودها بقوته، وأن يتحكم فيها بسلطانه.. فهذا هو مكان الإنسان الذي يعرف قدر إنسانيته، ويحترم وجوده بين المخلوقات فيها.. إنه الخليفة على هذه الأرض، ومقام الخلافة يقتضيه

<<  <  ج: ص:  >  >>