هذا من حيث المعنى.. أما من حيث اللفظ، فإن لهذا الحرف أثره فى صورة النظم الذي جاءت عليه السورة.. حيث كانت فواصلها تنتهى بمقطع أشبه بلفظ «نون» .. أي أنه مقطع مكون من ثلاثة أحرف، أولها متحرك، وثانيها حرف مدّ ساكن يتبع هذه الحركة، وثالثها حرف ساكن بالوقف عليه.
وهذا للقطع الذي يمثله حرف «ن» الذي ينطق هكذا: «نون» هو لازمة النغم الموسيقى الذي تضبط عليه فواصل الآيات فى السورة كلها.. مثل:
يسطرون.. مجنون.. عظيم.. مفتون.. إلى خاتمة السورة.
وقوله تعالى:«وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ» هو معطوف على «ن» المقسم به أي أقسم بنون، والقلم وما يسطرون..
والمراد بالقلم، هو أداة الكتابة، التي يكتب بها العلماء، العلوم والمعارف..
فهو نعمة من نعم الله الجليلة، التي تخطّ على الصحف ثمرات العقول، ونتاج الأفهام.
وقد نوه سبحانه وتعالى بالقلم، ورفع قدره، فكان أول ما وضع بين يدى النبي الكريم فى أول آيات افتتحت بها رسالته:«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ»(١- ٥: العلق) وفى القسم بما يسطر الكاتبون بالقلم- إشارة إلى أن هذه الأداة المكرمة ينبغى ألا يكتب بها إلا ما كان من الحق والخير، وإلا ما كان دعوة إلى هدى وتوجيها إلى خير.. إنه أداة تسجيل العلوم والمعارف وحفظها، وهو ينقل عن الإنسان نتاج تفكيره، وثمرات عقله، ويقيم له بهذا ذكرا خالدا فى الحياة، بقدر ما يحمل القلم عنه من خير، وما ينشر من نفع، فكان لهذا جديرا بأن يصان من أن يخطّ باطلا، أو يسجل لغوا..