أما أصحاب الجنة هؤلاء، فلم يذكر القرآن عنهم إلا أنهم جماعة من الناس..
قد يكونون إخوة أو شركاء، يملكون جنة، فيها زرع، ونخيل، وأعناب، ونحو هذا مما يطلق عليه اسم «جنة» .. أما مكان هذه الجنة، وزمانها، وأعيان أصحابها، فلم يلتفت القرآن إلى شىء منه، إذ لم يكن لشىء من هذا متعلّق بالحدث، ولا بموقع العبرة الماثلة منه.. ومع هذا فقد كثرت المقولات، وتعددت الروايات، التي تحدد مكان هذه الجنة وزمانها، وعدد أصحابها، الأمر الذي يخرج بالحدث عن مضمونه، ويكاد يقطع النظر عن موضع العبرة منه، بما يزدحم بين يديه من ألوان وظلال، وحركات، وصور.. للزمان، والمكان والأشخاص..
ومن جهة أخرى، فإن هذه القيود التي يشدّبها الحدث إلى زمان بذاته، أو مكان بعينه، أو أشخاص بسماتهم- هذه القيود تجمّد الحدث، وتفقده الحياة والحركة، عبر الأزمان والأماكن، على خلاف ما لو أطلق من هذه القيود، حيث يراه الناس فى كل مكان، وزمان، ويشهدونه فى كل مجتمع، صغير، أو كبير..
وابتلاء أصحاب الجنة هؤلاء، الذين ابتلى الله سبحانه مشركى قريش، كما ابتلاهم- هو فيما كان منهم من تدبير سيء، ومكر بنعم الله عليهم، فكان أن انتزع الله سبحانه هذه النعمة من بين أيديهم، وقتلهم بالسلاح الذي كانوا يحاربونه به.. كما سنرى ذلك فيما تحدث به الآيات من قصتهم..
وقوله تعالى:«إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ» .. أي أن الابتلاء لأصحاب الجنة كان منذ وقع منهم هذا القسم الذي أقسموه على جنى ثمر الجنة وقطعها «مُصْبِحِينَ» أي فى أول مطلع الصباح، وعند استقبالهم له..