للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإقبال عليه، أما «السمع» فيدلّ على مجرّد وقوع المسموع إلى أذن السامع، سواء أكان ذلك عن قصد، أو غير قصد، وسواء أكان مقبلا أو معرضا! ولهذا جاء الأمر إلى المؤمنين وهم فى مجلس القرآن أن يستمعوا، كما يقول سبحانه وتعالى: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (٢٠٤: الأعراف) ولم يجىء الأمر بلفظ «اسمعوا» .. فإن الاستماع هو الذي يحقق معنى الإصفاء والإنصات الذي جاء تاليا للأمر بالاستماع. وإنه بغير الاستماع لا يتحقق الإصغاء.. وهذا ما كان من الجنّ فى مجلس القرآن، ودعوة بعضهم بعضا إلى الإنصات إليه، كما يقول سبحانه، عنهم: «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا» (٢٩: الأحقاف) .

فالله سبحانه، قد وجههم إلى النبي مستمعين، لا سامعين..

وهذا يعنى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم بأمر هؤلاء الجن الذين استمعوا إليه فى تلك الليلة، حتى أنبأه الله سبحانه وتعالى بذلك، ولم تكن منه فى تلك الليلة دعوة إليهم، وإنما هم الذين دعوا أنفسهم إلى الإيمان، بعد أن استمعوا إلى ما استمعوا إليه من آيات الله التي كان يتلوها النبي، قائما بين يدى ربه، متعبدا بتلاوتها..

وفى هذا إشارة إلى تلك المفارقة البعيدة بين المشركين الذين يدعون إلى آيات الله، فلا يستمعون إليها، ولا يؤمنون بها، وبين الجن الذين يضرب بهم المثل فى العتوّ، والعناد، والضلال، حيث ورد واردهم على النبي، وحضر مجلس تلاوته، من غير أن يدعوا إلى هذا.. فاستمعوا، وأصغوا، ثم اهتدوا

<<  <  ج: ص:  >  >>