وقد استقبل الرسول هذه الدعوة، استقبال الإنسان لأمر غريب يقع له، مما لم تألفه الحياة، ومما لم يقع له أو لغيره المعاصرين له.، فوقع فى نفسه شىء من الخوف، والفزع لهذا الحدث، ولما له من عواقب لا يدرى ما يأتيه منها.. ويروى فى هذا أن النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، كان فى أول أيام رسالته كلما عرض له جبريل، وناداه من قريب أو بعيد فزع، وكرب وعاد إلى أهله يرجف فؤاده، ويقول زمّلونى، دثرونى..
والمزّمل: أصله المتزمّل، وهو المتلفف فى يرد، أو نحوه..
والمزّمل: الحامل الثقال من الأمور، ومنه: الزّاملة، وهى الراحلة التي تحمل الزاد والمتاع، ونحوه..
ونداء النبىّ الكريم، بهذه الصفة التي كان عليها.. وهى المزمل.. هو غاية اللطف، والتكريم والإحسان، من الله سبحانه وتعالى.. حيث لا يكون هذا النوع من الخطاب إلا بين متحابين متصافيين، قد زالت حواجز الكلفة بينهما.. وهذا جائز من الله سبحانه وتعالى، لأنه هو الملك للأمر كله، يدنى من يشاء ويبعد من يشاء، ويخاطب أحبابه وأولياءه، كما يخاطب الحبيب حبيبه، والخليل خليله.. أما النبىّ، والملائكة، وغيرهم من عباد الله المقربين فإنه لا يجوز لهم أن يخاطبوا الله سبحانه إلا من مقام العبودية المطلقة لجلال الله وعظمته..
«يا أيها المزمل» !! كم وجد الرسول الكريم من سعادة، وغبطة، ورضا.. بهذا الوصف الذي أصبح علما هو آثر الأسماء عنده، وأحب، الصفات إليه؟ وهذا يعنى أن جميع أحوال النبىّ، هى غير أحوال الناس، وأن كلّ حال منها هى علم على النبىّ