فسكنت لذلك أفئدة المؤمنين واطمأنت، وسار النبي بأصحابه حتى نزل بدرا.. وخرج أبو سفيان فيمن اجتمع له، فلما علم أن النبىّ ينتظره بالمسلمين فى بدر، قفل راجعا..
وانتظر النبىّ هناك بالمسلمين أياما، حتى انفضّت السوق التي كانت تقام هناك كل عام، وباع المسلمون واشتروا، وعادوا سالمين غانمين، وفى هذا يقول الله تعالى:«فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» .
وفى قوله:«الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» نجد فى التعبير عن المرجفين بهذا القول، والمهوّلين له، بكلمة «الناس» تحقيرا لهم، وبألّا صفة لهم فى الناس إلا أنهم على صورة الآدميين، وأنهم والمشركين من قريش على مستوى واحد من الكفر والشرك، إذ عبّر عنهم القرآن بلفظ «الناس» أيضا.. «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» ..
وفى قوله تعالى:«إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ» إشارة عامة تشمل هؤلاء الناس، الذين أذاعوا هذا القول وأرجفوا به، فقالوا:«إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» كما تشمل المشركين من قريش، وهم: الناس الذين جمعوا لاستئصال المسلمين.
فهؤلاء وهؤلاء حزب واحد.. هو حزب الشيطان، أو هم الشيطان ذاته، فى إضلاله وإغوائه:«إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ» .
والضمير فى «أوليائه» يعود إلى الشيطان، وأولياؤه هم المنافقون، الذين يتولاهم الشيطان، ويتخذ منهم أعوانا على الشر والفساد.. وهو الذي خوفهم الجهاد فى سبيل الله، وأراهم الموت فى صورة بشعة مخيفة، فانعزلوا عن المسلمين، ونكصوا على أعقابهم..