للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا نجد أكثر مواقف القرآن الكريم مع المشركين، هو فى الرّد على مقولاتهم فى البعث، وفى إنكارهم له، واستبعادهم لوقوعه.. فما أكثر ما ذكر القرآن الكريم من مقولاتهم فى هذه القضية، وما أكثر ما عرض عليهم من الأدلة والحجج، التي تبطل معها مدّعياتهم، وتسقط بها حججهم..

أما فى مقام وحدانية الله، فلم يكن للمشركين موقف كهذا الموقف من قضية البعث، ولم يكن لهم جدل طويل يديرونه مع النبىّ، كما كان ذلك شأنهم فى أمر البعث، وإن كلّ ما ذكره القرآن عنهم من حجة فى أمر الوحدانية، لا يعدو أن يكون دفاعا عن وجود آلهتهم واعتبارها ممثلة لله فى الأرض..

كل إله منها يصلهم بالله عن طريق خاص به.. ولم تتسع عقولهم القاصرة أن ترى الله غير مجسد فى هذه الدّمى، وتلك النّصب. فكان مما ذكره القرآن عنهم قوله تعالى: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ..» (٥: ص) وقوله تعالى فيما يقولونه عن آلهتهم، وصلتها بالله: «هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (١٨: يونس) .. «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» (٣: الزمر) .

من أجل هذا بدأت رسالة النبىّ بالإنذار بهذا اليوم، يوم القيامة، وما فيه من عذاب أليم المشركين والكافرين، وأهل الضلال جميعا..

وهذا ما كان من الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- فإنه ما إن تلقّى هذا الأمر من ربّه، حتى دعا قومه إليه- كما تقول كتب السيرة الموثقة- وخطب فيهم قائلا: يا معشر قريش: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا «١» بسفح هذا الجبل أكنتم تصدّفوننى؟» قالوا نعم: أنت عندنا غير متّهم، وما جرّبنا عليك كذبا قط.

قال: «فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد» فقال أبو لهب- لعنه الله-:

تبّا لك سائر اليوم.. ألهذا دعوتنا؟» فنزلت سورة اللهب.


(١) أي عدوا مغيرا بخيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>