«يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» فى نسبة الإرادة إلى الله هنا إغاظة لهم، بسلب إرادتهم، وسوقهم سوقا إلى الكفر الذي هم أهل له وأنه لا مصير لهم إلا هذا المصير المشئوم..
فتعطيل إرادتهم هنا يحرمهم هذا السلطان الذي يجده المرء فى نفسه، ويعتزّ به، حتى وهو يركب مراكب الهلاك.. إذ أنه هنا يجد كلمة «أنا حرّ» التي يجد فيها وجوده، ويردّ بها على من ينصح أو يلوم..
وهؤلاء الذين دخلوا فى الكفر، دخلوه وكأنهم مكرهون، بلا إرادة، ولا حرية، ولا اختيار.. إنهم ليسوا آدميين، حتى تكون لهم إرادة، وتكون لهم حرية واختيار.
وفى قوله تعالى:«يُرِيدُ اللَّهُ» وفى تعليق الفعل بالمستقبل، وقد أراده الله ووقع فعلا- فى هذا ما يقيمهم أبدا بهذا الوضع الذي هم، بلا إرادة ولا اختيار، لأن إرادة فوق إرادتهم قائمة عليهم أبدا.. فليس لهم- والأمر كذلك- أن ينتظروا يوما تعود إليهم فيه حريتهم وإرادتهم، أو أن يكونوا يوما فى وضع الإنسان الحر المريد! قوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» تأكيد لضالة شأن هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للشيطان، واستحبّوا العمى على الهدى.. وقد توعّدهم الله- سبحانه- فى الآية السابقة بالعذاب العظيم، وتوعدهم فى هذه الآية بالعذاب الأليم، كما توعدهم فى الآية التالية بالعذاب المهين، فجمع لهم أشنع صور العذاب.. العذاب العظيم.. الأليم..