أن صرف كثير من الناس أعينهم عن الحياة الآخرة، وأقاموا بينهم وبينها سدودا من الخداع، والتضليل، حتى لا يروا لها أثرا يلفتهم إليها، ويقطع مشاعرهم المنصرفة كلها إلى الحياة الدنيا، وما هم فيه منها..
وفى عرض النبي- صلوات الله وسلامه عليه- فى هذا الموقف الذي يستعجل فيه النطق بكلمات الآية وحفظها، قبل أن تفلت منه- فى هذا ما يكشف المشركين عن أن حب العاجل طبيعة مركوزة فى الناس، كما يقول سبحانه وتعالى:«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ»(٣٧: الأنبياء) وأن العجلة غير محمودة حتى فى مقام الإحسان، وفى طلب الخير.. بل إن الرفق، والتوسط فى الأمور هو المحمود، وهو الذي يتيح للإنسان فرضه التروي والتعقل، ووزن الأمور بميزان الروية والعقل.. فكيف بالمشركين وهم يخوضون خوضا فى متاع الحياة الدنيا؟ أفلا يكون منهم تمهل فى هذا الجري اللاهث وراء هذا الحطام الزائل؟ ثم ألا يكون منهم وقفة مع هذا الذي يدعوهم النبي إليه؟
وثالثا: إذا كان على النبي أن يصغى إلى الوحى، ولا يحرك لسانه قبل أن ينتهى رسول الوحى من إلقاء بإلقاء ما يوحى به إليه، وذلك لتكتمل صورة المعاني المراد إلقاؤها على النبي، ولتقع من نفسه موقعا واضحا متمكنا- إذا كان على النبي أن يفعل هذا، مع كلمات الله- أفما كان على الذين يستمعون من النبي لآيات الله، أن يصغوا إليها، وألا يفتحوا أفواههم بكلمة وهم بين يديها، حتى ينتهى عرضها، ليكون لهم سبيل إلى فهم معانيها، وإدراك بعض أسرارها؟ ..
قيل إن النبي- صلوات الله وسلامه عليه- كان وهو يتلقى سورة القيامة من الوحى، وذلك فى أوائل اتصال النبي بالوحى- كان يخشى أن تفلت منه بعض الكلمات، أو يختلف عليه نظامها، فيبادر- حرصا منه- بتلقف