للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا استمعت إلى قوله تعالى: «عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ» تمثلت لك العين كأسا يشرب بها، ثم نازعتك نفسك إلى البحث عن أداة الشرب، فلا تجد إلا العين شرابا وكأسا معا..

وإذا استمعت إلى قوله تعالى: «يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً» تمثلت لك الكأس عينا يشرب منها، فإذا شاقك أن ترى العين وجدتها هى الكأس والشراب معا، قد أصبحا كيانا واحدا..

هذا، ولم يجمع النظم القرآنى بين الوصفين- وصف الخمر، ووصف الكأس- حتى يقيم منهما الصورة التي تحقق صفتهما معا- لم يفعل النظم القرآنى هذا الصنيع، لأن كل صورة منهما تحقق الوصف المطلوب للكأس والخمر أتم تحقيق.. فإذا نظر الناظر فى الصورتين معا وجد أنهما وجهان لحقيقة واحدة! كأس وخمر، وخمر وكأس..

وقد جاء النظم القرآنى بهذا الإعجاز من أقرب طريق، وأيسره، فبكلمة واحدة، لا بل بحرف واحد، أقام هذا الإعجاز، وكشف عن وجه هذه المعجزة.. فما زاد النظم القرآنى عن أقام حرف «الباء» مكان الحرف «من» فى إحدى المعجزتين، على حين أقام الحرف «من» مقام حرف «الباء» فى المعجزة الأخرى! فهذا كلام الله، تتجلى معجزاته فى غير بهرج من اللفظ، ولا خلابة أو تهويل من النظم.. حتى ليبدو- فى ظاهره- وكأنه مما يتكلم به الناس، من منثور ومنظوم.. تماما كما كانت تبدو عصا موسى فى يده، عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه.. لكن ما إن ألقاها من يده حتى سرت فى كياتها نفخة من روح الحق، وإذا هى حية تسعى؟ .. وهكذا كلمات الله، تبدو

<<  <  ج: ص:  >  >>