ذى رأى رأيه، حتى ليجد المرء نفسه بين هذه الآراء المتعارضة المتضاربة، أن الأولى به أن يدعها جميعها، وأن يجعل هذه الكلمات من كتاب الله، من المتشابه، الذي لا يعلم تأويله إلا الله!! ومن الروايات التي رويت حول كلمة «الأبّ» ما يروونه مضافا إلى أبى بكر رضى الله عنه، وقد سئل عن معنى الأب، فقال:«أي سماء تظلنى، وأي أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا علم لى به» !! كذلك يروون أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قرأ هذه الآية مرة، فقال:
«كلّ هذا قد عرفنا.. فما الأب» ؟ قالوا:«ثم رفض عمر عصا كانت بيده- أي كسرها غضبا على نفسه، ولوما لها- وقال: «هذا لعمرو الله التكلف..
وما عليك يا بن أم عمر أن لا تدرى ما الأب؟» .. ثم قال:«اتّبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، ومالا، فدعوه!!» .
ونحن نقطع بتلفيق هذين الخبرين، وإلا كان علينا أن نلغى عقولنا، وأن نعطل مداركنا، ولنا على القطع بتلفيق هذين الخبرين أكثر من شاهد:
فأولا: هذه الآية، فى سورة مكية، ومن أوائل ما نزل بمكة من آيات الله.. وهذا يعنى أن هذه الآية كانت على ألسنة السابقين الأولين من المسلمين، كأبى بكر وعمر- رضى الله عنهما- وأنها كانت مما يتلى من آيات الله كل يوم مرات كثيرة، وليس يعقل- مع هذا- أن تظل كلمة «الأب» خفية الدلالة، بين هذه المجموعة من الكلمات التي تعدد نعم الله، والأب لا شك نعمة من تلك النعم، وصنف من أصنافها- نقول لا يعقل أن تظل هذه الكلمة- وهذا شأنها- خفيّة الدلالة على أصحاب رسول الله، ثم لا يتوجهون إليه- صلوات الله وسلامه عليه- بالسؤال عنها، إن كان معناها غائبا عنهم! وثانيا: لا يعقل أيضا أن يمضى العهد المكي، ثم العهد المدني، دون أن