وهذا، هو الأنسب، لأنه يتّسق مع قوله تعالى بعد ذلك:«إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ» أي أنه كما للسماء حفظة يحفظونها من أن تدخل الشياطين حماها، كما يقول سبحانه وتعالى على لسان الجن:«وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً»(٨: الجن) .. وكما يقول جل شأنه:«وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ»(٥: الملك) وكما يقول سبحانه: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ»(٦، ٧: الصافات) - أي كما جعلنا للسماء حفظة يحفظونها، كذلك جعلنا على كل نفس حافظا موكّلا بها من عندنا، يسجل أعمالها، كما يقول سبحانه:
«وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ»(١٠، ١١ الانفطار) وكما يقول تعالى:
«إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ» .. هو جواب القسم..
أي ما كل نفس إلّا عليها حافظ، أي حارس أمين، ضابط لكل ما تعمل من خير أو شر، أو أن كل نفس يقوم عليها من كيانها ما يحفظ عليها وجودها، وذلك بما أودع الخالق جل وعلا فيها، من قوى مادية ومعنوية، تجعل منها جميعا أسلحة عاملة، تحمى الإنسان، وتدفع عنه ما يعترض طريقه على مسيرة الحياة، وإن أظهر حافظ يحفظ الإنسان هو عقله، الذي يميز به الخير من الشر، والخبيث من الطيب، ولعلّ هذا أقرب إلى الصواب، إذ جاءت بعد هذه الآية دعوة للإنسان إلى أن يستعمل عقله، وينظر فى أصل خلقه، ومادة وجوده..
وهو قوله تعالى:
«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» أي وإذ كان مع كل إنسان حافظ، هو عقله، فلينظر بهذا العقل الحافظ، إلى قدرة الله سبحانه وتعالى، فى ذاته هو، وإلى قدرة الله سبحانه