للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه.. فالاطمئنان الذي تصيبه بعض النفوس، ويكون صفة غالبة عليها، هو ثمرة الإيمان الوثيق بالله، القائم على أصول ثابتة من المعرفة بالله سبحانه وتعالى، وما له جل شأنه من سلطان مطلق متمكن، قائم على كل ذرة فى هذا الوجود، وأنه لا يقع فى هذا الوجود شىء إلا بتقديره سبحانه، وبمقتضى حكمته وعلمه، وعدله.

وقد نودى الإنسان هنا بنفسه ولم يناد بذاته، لأن النفس هى جوهره السماوي، وهى التي كانت موطن الإيمان والاطمئنان.. وهى لهذا استحقت أن ترجع إلى ربها، وأن تنزل منازل رضوانه، إذ لم تغرق فى تراب الأرض، ولم تضع معالمها فيه، كما ضاعت نفوس الضالين والغاوين..

وقوله تعالى: «راضِيَةً مَرْضِيَّةً» أي راضية بما أرضاها الله سبحانه به من فضله، مرضيّا عنها من ربها.. فالكلمتان حالان من أحوال النفس، وقد دعيت من ربها إلى الرجوع إليه.. إنها ترجع إلى ربها، وقد رضيت بما لقيها به ربّها من إكرام وإحسان، وقد رضى ربها عنها بما قدمت من أعمال طيبة..

فالله سبحانه وتعالى يرضى ويرضى، يرضى عن عباده المحسنين، ويرضيهم بإحسانه، كما يقول سبحانه: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً» .. وفى الجمع بين صفة الرضا للنفس، والرضا من الله عنها- إشارة الى أن هذا الرضا الذي تجده النفس هو رضا دائم متصل، لأنه مستمد من رضا الله عنها، وأنه ليس مجرد شعور يطرقها، أو خاطر يطوف بها، ثم يذهب هذا الشعور، ويغيب هذا الخاطر، مع موجات الخواطر، والمشاعر التي تموج فى كيان الإنسان..!! كلا إنه رضا لا ينقطع أبدا..

<<  <  ج: ص:  >  >>